فصل: مَسْأَلَة: (7) أقل الْجمع ثَلَاثَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبصرة في أصول الفقه



.مَسْأَلَة: (4) إِذا ورد لفظ من أَلْفَاظ الْعُمُوم لم يجز اعْتِقَاد عُمُومه حَتَّى ينظر فِي الْأُصُول فَإِن لم يجد مَا يَخُصُّهُ اعْتقد عُمُومه:

فِي قَول أبي الْعَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي يعْتَقد فِي الْحَال عُمُومه.
لنا: هُوَ أَن الَّذِي يَقْتَضِي اعْتِقَاد الْعُمُوم تجرد هَذِه الصِّيغَة عَمَّا يَخُصهَا لِأَنَّهَا إِذا وَردت وَلم تتجرد عَن دَلِيل التَّخْصِيص لم تقتض الْعُمُوم وَلَا نعلم تجردها عَمَّا يَخُصهَا إِلَّا بِالنّظرِ والبحث فَلم يجز اعْتِقَاد عمومها قبل النّظر والبحث يدل عَلَيْهِ أَن الشَّهَادَة لما كَانَت بَيِّنَة عِنْد التجرد عَن الْفسق لم يحكم بِكَوْنِهَا بَيِّنَة قبل الْبَحْث عَن حَالهَا فَكَذَلِك هَاهُنَا.
احْتَجُّوا بِأَن اللَّفْظ مَوْضُوع للْجِنْس والطبقة فَوَجَبَ اعْتِقَاد مُوجبه قبل النّظر كأسماء الْحَقَائِق لما كَانَت مَوْضُوعَة لما وضعت لَهُ من الْأَعْيَان وَجب اعْتِقَاد مُوجبهَا فِي الْحَال كَذَلِك هَاهُنَا.
قُلْنَا اللَّفْظ مَوْضُوع للْجِنْس إِذا تجرد عَمَّا يَخُصُّهُ وَهَذَا غير مَعْلُوم قبل الْبَحْث فَلَا يَصح هَذَا الْإِطْلَاق وَأما أَسمَاء الْحَقَائِق فَيحْتَمل أَن يُقَال إِنَّهَا لَا تحمل على مسمياتها قبل الْبَحْث وَإِن سلمنَا فَالْفرق بَينهمَا هُوَ أَن الْحَقَائِق إِذا اسْتعْملت فِي غَيرهَا صَارَت مجَازًا فَلم يجز ترك الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز من غير دَلِيل وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ الْعُمُوم فَإِنَّهُ إِذا حمل على الْخُصُوص لم يصر مجَازًا فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ.
قَالُوا وَلِأَن هَذَا القَوْل يُؤَدِّي إِلَى التَّوَقُّف أبدا لِأَنَّهُ إِذا نظر فخفى عَلَيْهِ دَلِيل التَّخْصِيص جوز أَن يلْحق فِي النّظر الثَّانِي مَا خفى عَلَيْهِ فِي الأول وَيلْحق فِي النّظر الثَّالِث مَا خفى عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيجب التَّوَقُّف فِيهِ أبدا وَهَذَا لَا يجوز.
قُلْنَا هَذَا يبطل بِطَلَب النَّص فِي الْحَادِثَة فَإِنَّهُ يجب وَإِن جَوَّزنَا أَن يلْحق بِالنّظرِ الثَّانِي مَا خفى عَلَيْهِ فِي الأول وَيلْحق بالثالث مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَيبْطل أَيْضا بالسؤال عَن حَال الشُّهُود فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ وَإِن كَانَ يجوز أَن يظْهر لَهُ فِي السُّؤَال الثَّانِي مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي الأول وَفِي السُّؤَال الثَّالِث مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي الثَّانِي.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ فِي حَال سَماع اللَّفْظ لَا يَخْلُو من اعْتِقَاده وَلَا يُمكنهُ أَن يعْتَقد الْخُصُوص فَوَجَبَ أَن يعْتَقد الْعُمُوم.
قُلْنَا يعْتَقد أَنه عَام إِذا تجرد عَمَّا يَخُصُّهُ وَلَا يقطع فِيهِ بِالْعُمُومِ وَلَا بالخصوص.
قَالُوا وَلِأَن اللَّفْظ مَخْصُوص فِي الْأَعْيَان والأزمان ثمَّ يجب حمله على الْعُمُوم فِي جَمِيع الْأَزْمَان وَإِن جَازَ أَن يكون مَنْسُوخا فِي بعض الْأَزْمَان فَكَذَلِك يجب حمله على الْعُمُوم فِي الْأَعْيَان وَإِن جَازَ أَن يكون مَخْصُوصًا فِي بعض الْأَعْيَان.
قُلْنَا النّسخ إِنَّمَا يرد بعد اللَّفْظ فَلَا يجب التَّوَقُّف لأَجله كَمَا إِذا عرف عَدَالَة الشُّهُود لم يجب التَّوَقُّف لما يرد عَلَيْهِم من الْفسق وَلَيْسَ كَذَلِك فِي التَّخْصِيص فَإِنَّهُ قد يكون مُقَارنًا للْعُمُوم وَقد يكون مُتَقَدما عَلَيْهِ فَوَجَبَ التَّوَقُّف لأَجله كَمَا يجب فِي حَال الشُّهُود قبل الْكَشْف عَن حَالهم.
قَالُوا وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْوَقْف فِي الْعُمُوم وَقد أنكرتم ذَلِك على أهل التَّوَقُّف.
قُلْنَا هَذَا مُخَالف لوقف أهل الْوَقْف وَذَلِكَ أَنا إِذا لم نجد فِي الْأُصُول مَا يُوجب التَّخْصِيص حملناه على الْعُمُوم وَأهل الْوَقْف إِذا لم يَجدوا مَا يُوجب التَّخْصِيص وقفُوا أبدا حَتَّى يَجدوا دَلِيلا على المُرَاد فَبَان الْفرق بَين الْقَوْلَيْنِ.

.مَسْأَلَة: (5) الْعُمُوم إِذا خص لم يصر مجَازًا فِيمَا بَقِي:

وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: يصير مجَازًا سَوَاء خص بِلَفْظ مُتَّصِل أَو بِلَفْظ مُنْفَصِل وَهُوَ قَول عِيسَى بن أبان.
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي إِن خص بِلَفْظ مُتَّصِل لم يصر مجَازًا وَإِن خص بِلَفْظ مُنْفَصِل صَار مجَازًا.
لنا هُوَ أَن الأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة وَقد وجد الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط والغاية فِي الِاسْتِعْمَال أَكثر من أَن يعد ويحصى فَدلَّ على أَن ذَلِك حَقِيقَة؛ وَلِأَن فَوَائِد اللَّفْظ تخْتَلف بِمَا يدْخل عَلَيْهَا من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد فِي الدَّار فَيكون خَبرا ثمَّ تزيد فِيهِ ألف الِاسْتِفْهَام فَتَقول أَزِيد فِي الدَّار فَيصير استخبارا فَلَو قُلْنَا إِن مَا اتَّصل بِاللَّفْظِ من الشُّرُوط وَالِاسْتِثْنَاء يَجْعَل الْكَلَام مجَازًا فِيمَا بَقِي لوَجَبَ أَن يكون قَوْله أَزِيد فِي الدَّار حجازا فِي الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ لَو سقط مِنْهُ ألف الِاسْتِفْهَام لَكَانَ حَقِيقَة فِي الْخَبَر وَفِي ركُوب هَذَا إبِطَال لفوائد الْأَلْفَاظ؛ وَلِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يكون مجَازًا إِذا عرف أَنه حَقِيقَة فِي شَيْء ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره كالحمار حَقِيقَة فِي الْبَهِيمَة الْمَعْرُوفَة ثمَّ يسْتَعْمل فِي الرجل البليد فَيكون مجَازًا والعموم مَعَ الِاسْتِثْنَاء مَا اسْتعْمل فِي غير هَذَا الْوَضع على سَبِيل الْحَقِيقَة فَلَا يجوز أَن يَجْعَل مجَازًا فِي هَذَا الْوَضع.
وَالدَّلِيل على من فرق بَين اللَّفْظ الْمُتَّصِل والمنفصل هُوَ أَن للمتصل لفظا يَقْتَضِي تَخْصِيص الْعُمُوم فَلم يصيره مجَازًا فِي الْبَاقِي دَلِيله الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء.
وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن اللَّفْظ اقْتضى استغراق الْجِنْس أجمع فَإِذا دلّ الدَّلِيل على أَن بعض الْجِنْس غير مُرَاد بَقِي الْبَاقِي على مُقْتَضى اللَّفْظ فَوَجَبَ أَن يكون حَقِيقَة فِيهِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن اللَّفْظ مَوْضُوع لاستغراق الْجِنْس فَإِذا خص صَار مُسْتَعْملا فِي غير مَا وضع لَهُ فَصَارَ مجَازًا كاستعمال الْأسد فِي الرجل الشجاع وَالْحمار فِي الرجل البليد.
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا قَيده بِالشّرطِ والغاية أَو خصّه بِالِاسْتِثْنَاءِ على قَول من سلم ذَلِك فَإِنَّهُ مَوْضُوع للْجِنْس وَقد اسْتعْمل الِاسْتِثْنَاء فِي غير مَا وضع لَهُ ثمَّ لم يصر مجَازًا.
فَإِن قيل: هُوَ مَعَ الِاسْتِثْنَاء مَوْضُوع للخصوص لَا للْعُمُوم فَمَا اسْتعْمل إِلَّا فِيمَا وضع لَهُ.
قيل وَكَذَلِكَ عندنَا لفظ الْعُمُوم مَعَ دلَالَة التَّخْصِيص مَوْضُوع للخصوص فَمَا اسْتعْمل إِلَّا فِيمَا وضع لَهُ، وَيُخَالف هَذَا مَا ذَكرُوهُ من اسْتِعْمَال الْأسد فِي الرجل الشجاع وَالْحمار فِي الرجل البليد فَإِن الْأسد لم يوضع للرجل الشجاع وَلَا الْحمار للرجل البليد فِي اللُّغَة فَإِذا اسْتعْمل فِي ذَلِك علمنَا أَنه مجَاز وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ الْعُمُوم فَإِنَّهُ متناول لكل وَاحِد من الْجِنْس فَإِذا اسْتعْمل فِي الْخُصُوص فقد اسْتعْمل فِيمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ يدل عَلَيْهِ أَن الْقَرِينَة فِيمَا ذَكرُوهُ تبين مَا أُرِيد بِاللَّفْظِ والقرينة فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ تبين مَا لَا يُرَاد بِاللَّفْظِ فَبَقيَ الْبَاقِي على مُقْتَضى اللَّفْظ.

.مَسْأَلَة: (6) يجوز تَخْصِيص أَسمَاء الجموع إِلَى أَن يبْقى وَاحِد:

من قَول أَكثر أَصْحَابنَا.
وَقَالَ أَبُو بكر الْقفال: يجوز تخصيصها إِلَى أَن يبْقى ثَلَاثَة وَلَا يجوز أَكثر من ذَلِك.
لنا أَنه لفظ من أَلْفَاظ الْعُمُوم فَجَاز تَخْصِيصه إِلَى أَن يبْقى أقل من ثَلَاثَة؛ دَلِيله من وَمَا وَلِأَن مَا جَازَ تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ إِلَى الثَّلَاثَة جَازَ التَّخْصِيص بِهِ إِلَى الْوَاحِد دَلِيله الِاسْتِثْنَاء.
وَاحْتَجُّوا بِأَن اسْم الْجمع لَا يسْتَعْمل فِيمَا دون الثَّلَاثَة فالحمل عَلَيْهِ إِسْقَاط لَهُ فَلم يَصح إِلَّا بِمَا يَصح بِهِ الشَّرْط.
قُلْنَا لَا نسلم فَإِنَّهُ يجوز أَن يسْتَعْمل لفظ الْجمع فِيمَا دون الثَّلَاثَة وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم} وَأَرَادَ بِهِ نعيما وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} وَأَرَادَ بِهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَحدهَا، وعَلى أَن هَذَا يفْسد بِهِ إِذا خصّه بِالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ يجوز وَإِن كَانَ اللَّفْظ لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِيمَا دونه.

.مَسْأَلَة: (7) أقل الْجمع ثَلَاثَة:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: اثْنَان وَهُوَ مَذْهَب ابْن دَاوُد، ونفطويه وَالْقَاضِي أبي بكر الْأَشْعَرِيّ.
لنا مَا روى أَن ابْن عَبَّاس احْتج على عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا فِي أَن الْأَخَوَيْنِ لَا يحجبان الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس بقوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} قَالَ وَلَيْسَ الأخوان إخْوَة فِي لِسَان قَوْمك فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَا أَسْتَطِيع أَن أنقض أمرا كَانَ قبلي وتوارثه النَّاس وَمضى فِي الْأَمْصَار، فَلَو لم يكن ذَلِك مُقْتَضى اللَّفْظ لما صَحَّ احتجاجه وَلما أقره عَلَيْهِ عُثْمَان وهما من فصحاء الْعَرَب وأرباب اللِّسَان.
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ الأخوان أخوة فَصَارَ مُخَالفا لَهُ.
قُلْنَا المُرَاد بِتِلْكَ أَنَّهُمَا كالأخوة فِي الْحجب وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَن أحدا لَا يَقُول إِن لفظ التَّثْنِيَة يتَنَاوَل الْجمع حَقِيقَة وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي لفظ الْجمع هَل يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ حَقِيقَة.
وَأَيْضًا هُوَ أَن أهل اللُّغَة فرقوا بَين الْوَاحِد والاثنين وَالْجمع فَقَالُوا رجل ورجلان وَرِجَال وَلَو كَانَ الِاثْنَان جمعا لَكَانَ لفظ التَّثْنِيَة مُسَاوِيا لما زَاد عَلَيْهِ كَمَا كَانَ لفظ الثَّلَاثَة مُسَاوِيا لما زَاد عَلَيْهِ.
فَإِن قيل: لَا يمْتَنع أَن يكون للتثنية أَسمَاء تخصها وَيكون اسْم الْجمع أَيْضا متناولا لَهَا كالأسد لَهُ اسْم يَخُصُّهُ وَمَعَ ذَلِك اسْم السَّبع حَقِيقَة فِيهِ.
قيل السَّبع والأسد لم يوضع للتمييز بَين شَيْئَيْنِ وَإِنَّمَا جعل أَحدهمَا اسْما للْجِنْس وَالْآخر اسْما للنوع وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ التَّثْنِيَة وَالْجمع فَإِنَّهُمَا وضعا لنوعين مُخْتَلفين من الْعدَد على وَجه التَّمْيِيز بَينهمَا فَدلَّ على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يخْتَص بِمَا يُمَيّز بِهِ كالأسد وَالْحمار لما وضع لجنسين من الْحَيَوَان كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْما لما وضع لَهُ خَاصَّة؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْم الْجمع حَقِيقَة فِي الِاثْنَيْنِ لَكَانَ لَا يَصح نَفْيه لِأَن الْحَقَائِق لَا يَصح نَفيهَا عَن مسمياتها وَلما جَازَ أَن يَقُول مَا رَأَيْت رجَالًا وَإِنَّمَا رَأَيْت رجلَيْنِ دلّ على أَن حَقِيقَته مَا ذَكرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ دَرَاهِم لزمَه ثَلَاثَة وَلَو كَانَ أقل الْجمع اثْنَيْنِ لما لزمَه أَكثر من اثْنَيْنِ.
وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} فَرد الْكِنَايَة إِلَى الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْجمع وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم قَالُوا لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض} فَاسْتعْمل فِي الِاثْنَيْنِ لفظ الْجمع.
قُلْنَا أما الْآيَة الأولى فقد قيل إِن المُرَاد بهَا حكم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ جمَاعَة كَثِيرَة وَقيل المُرَاد بهَا دَاوُد وَسليمَان والمحكوم لَهُ لِأَن ذكر الْحَاكِم يَقْتَضِي ذكر الْمَحْكُوم لَهُ فَلهَذَا رد الْكِنَايَة إِلَيْهِم بِلَفْظ الْجمع.
وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَلَا حجَّة فِيهَا لِأَن الْخصم يَقع على الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} فَجعل أحدهم الْمُؤمنِينَ وَالْآخر الْكفَّار؛ وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يكون مَعَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وميكال عَلَيْهِ السَّلَام جمَاعَة من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام.
وَاحْتَجُّوا بقول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الِاثْنَان فَمَا فَوْقهم جمَاعَة.
وَالْجَوَاب: أَن هَذَا دَلِيل لنا فَإِنَّهُ لَو كَانَ الِاثْنَان جمعا حَقِيقَة لما احْتَاجَ إِلَى الْبَيَان لأَنهم يعْرفُونَ من اللُّغَة مَا يعرفهُ وَإِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفْصح الْعَرَب وَلما بَين دلّ على أَن الِاثْنَيْنِ لَيْسَ بِجمع فِي اللُّغَة فَيجب أَن يحمل الْخَبَر على أَنه قصد بَيَان حكم شَرْعِي وَأَن الِاثْنَيْنِ فِي حكم الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة قَالُوا وَلِأَن الْجمع إِنَّمَا سمي جمعا لما فِيهِ من جمع الْآحَاد وَذَلِكَ يُوجد فِي الِاثْنَيْنِ فَوَجَبَ أَن يكون جمعا.
قُلْنَا وَيجوز أَن يكون اشتقاقه من ذَلِك ثمَّ لَا يُسمى بِهِ كل مَا وجد فِيهِ هَذَا الْمَعْنى بل يخْتَص بِشَيْء مَخْصُوص كالقارورة سميت بذلك لِأَنَّهَا يسْتَقرّ فِيهَا الشَّيْء ثمَّ يخْتَص ذَلِك بظرف مَخْصُوص وَإِن كَانَ هَذَا الْمَعْنى يُوجد فِي غَيره وَكَذَلِكَ سميت الدَّابَّة لِأَنَّهَا تدب على وَجه الأَرْض ثمَّ يخْتَص ذَلِك ببهيمة مَخْصُوصَة وَإِن كَانَ الْمَعْنى يُوجد فِي غَيرهَا فَكَذَلِك هَاهُنَا.
قَالُوا وَلِأَن الِاثْنَيْنِ يخبران عَن أَنفسهمَا فَيَقُولَانِ فعلنَا كَمَا يخبر الثَّلَاثَة فَيَقُولُونَ فعلنَا فَدلَّ على أَن الْجمع فيهمَا وَاحِد.
قُلْنَا هَذَا يُعَارضهُ أَنهم فرقوا بَينهمَا فِي فعل الْغَائِب والمواجهة فَقَالُوا فِي الْغَائِب ضربا فِي الِاثْنَيْنِ وضربوا فِي الثَّلَاثَة وَفِي المواجهة ضربتما فِي الِاثْنَيْنِ وضربتم للْجَمَاعَة وَلَيْسَ لَهُم أَن يتعلقوا بِمَا ذَكرُوهُ إِلَّا وَلنَا أَن نتعلق بِمَا ذَكرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يكون لَفْظهمَا فِي الْإِخْبَار عَن أَنفسهمَا وَاحِدًا يكون لَفْظهمَا فِي الْجمع يخْتَلف أَلا ترى أَن الْمُذكر والمؤنث فِي الْإِخْبَار عَن أَنفسهمَا سَوَاء ثمَّ لَفْظهمَا فِي الْجمع يخْتَلف فَكَذَلِك هَهُنَا.

.مَسْأَلَة: (8) يجوز تَخْصِيص عُمُوم الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد:

وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين:: لَا يجوز.
وَقَالَ عِيسَى ابْن أبان: مَا خص بِدَلِيل جَازَ تَخْصِيصه بأخبار الْآحَاد وَإِن لم يخص لم يجز تَخْصِيصه بأخبار الْآحَاد.
لنا هُوَ أَن الْمُسلمين أَجمعُوا على تَخْصِيص آيَة الْمَوَارِيث بقوله عَلَيْهِ السَّلَام «لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم» وعَلى تَخْصِيص قَوْله {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا».
وَاحْتج أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ على فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» وَهَذَا تَخْصِيص لعُمُوم من الْقُرْآن بجبر الْوَاحِد فَدلَّ على جَوَاز ذَلِك.
فَإِن قيل: فقد رد عمر رَضِي الله عَنهُ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس «أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى» لما خَالف قَوْله الله تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} وَقَالَ لَا نَدع قَول كتاب الله بقول امْرَأَة.
قيل إِنَّمَا رد خَبَرهَا لِأَنَّهَا اتهمها وَلِهَذَا قَالَ امْرَأَة لَا نَدْرِي صدقت أم كذبت وكلامنا فِيمَا صَحَّ من الْأَخْبَار وسكنت نفس الْمُجْتَهد إِلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُمَا دليلان أَحدهمَا أخص من الآخر فَقدم الْخَاص مِنْهُمَا على الْعَام كَمَا لَو كَانَا من الْكتاب وَالسّنة؛ وَلِأَن فِي هَذَا جمعا بَين دَلِيلين فَكَانَ أولى من إِسْقَاط أَحدهمَا كَمَا لَو كَانَا من الْكتاب أَو السّنة؛ وَلِأَن خُصُوص الْقُرْآن أَو السّنة إِنَّمَا قدم على عمومهما لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الحكم بِخُصُوصِهِ على وَجه لَا يحْتَمل غير مَا تنَاوله وعمومهما يتَنَاوَل الحكم بِعُمُومِهِ على وَجه يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله الْخُصُوص وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي خُصُوص السّنة وَعُمُوم الْقُرْآن فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن الْكتاب مَقْطُوع بِهِ وَخبر الْوَاحِد غير مَقْطُوع بِهِ فَلَا يجوز ترك الْمَقْطُوع بِهِ بِغَيْرِهِ كالإجماع لَا يتْرك بِخَبَر الْوَاحِد.
قُلْنَا خبر الْوَاحِد وَإِن كَانَ من طَرِيق الظَّن إِلَّا أَن وجوب الْعَمَل بِهِ مَعْلُوم بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَكَانَ حكمه وَحكم مَا قطع بِصِحَّتِهِ وَاحِد؛ وَلِأَن الْكتاب إِنَّمَا يقطع بورود لَفظه عَاما فَأَما مُقْتَضَاهُ من الْعُمُوم فَغير مَقْطُوع بِهِ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله خُصُوص السّنة وَالْخَاص لَا يحْتَمل غير مَا تنَاوله فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ يبين صِحَة هَذَا هُوَ أَنه لَو قطع بِعُمُومِهِ لقطع على كذب الْخَبَر وَهَذَا لَا يَقُوله أحد وَيُخَالف مَا ذَكرُوهُ من الْإِجْمَاع إِذا عَارضه خبر الْوَاحِد فَإِن الْإِجْمَاع لَا إِجْمَال فِيمَا تنَاوله وَخبر الْوَاحِد يحْتَمل أَن يكون مَنْسُوخا فقدمنا الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَهَاهُنَا عُمُوم الْقُرْآن مُحْتَمل لما يَقْتَضِيهِ وخصوص السّنة غير مُحْتَمل فَقدم خُصُوص السّنة.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِسْقَاط بعض مَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم الْقُرْآن بِالسنةِ فَلم يجز كالنسخ.
قُلْنَا النّسخ إِسْقَاط لموجب اللَّفْظ فَلم يجز إِلَّا بِمثلِهِ أَو بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ والتخصيص بَيَان مَا أُرِيد بِاللَّفْظِ فَجَاز بِمَا دونه.
وَاحْتج عِيسَى بن أبان بِأَنَّهُ إِذا دخله التَّخْصِيص صَار مجَازًا فَقيل خبر الْوَاحِد فِي تَخْصِيصه كَمَا قبل فِي بَيَان الْمُجْمل وَإِذا لم يدْخلهُ التَّخْصِيص بَقِي على حَقِيقَته فَلم يخص خبر الْوَاحِد.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَن الْمُجْمل مَالا يعقل المُرَاد مِنْهُ بِنَفسِهِ والعموم وَإِن خص فَمَعْنَاه مَعْقُول وامتثاله مُمكن وَاللَّفْظ متناول لما يبْقى بعد التَّخْصِيص فَكَانَ حكمه وَحكم مالم يخص وَاحِد.

.مَسْأَلَة: (9) يجوز تَخْصِيص عُمُوم السّنة بِالْكتاب:

وَمن النَّاس من قَالَ لَا يجوز.
لنا قَوْله تَعَالَى {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء} وَلم يفصل؛ وَلِأَنَّهُ لفظ خَاص عَارض لفظا عَاما فخصه دَلِيله إِذا كَانَا من الْكتاب أَو كَانَا من السّنة؛ وَلِأَن الْكتاب مَقْطُوع بطريقه وَالسّنة غير مَقْطُوع بهَا فَإِذا جَازَ تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ فتخصيص السّنة بِالْكتاب أولى.
وَاحْتَجُّوا بقوله {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} فَجعل السّنة بَيَانا لِلْقُرْآنِ.
قُلْنَا هَذَا مَحْمُول على مَا يفْتَقر إِلَى الْبَيَان أَو نحمله على أَن المُرَاد بِهِ الْإِظْهَار يدلك عَلَيْهِ أَنه علقه على جَمِيع الْقُرْآن فَالَّذِي يفْتَقر إِلَيْهِ جَمِيع الْقُرْآن هُوَ الْإِظْهَار فَأَما التَّخْصِيص فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيعه.

.مَسْأَلَة: (10) يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ الْخَفي:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: لَا يجوز ذَلِك وَهُوَ قَول أبي عَليّ الجبائي.
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِن خص بِغَيْرِهِ جَازَ التَّخْصِيص بِهِ وَإِن لم يخص بِغَيْرِهِ لم يجز.
لنا هُوَ أَنه دَلِيل يُنَافِي بعض مَا شَمله الْعُمُوم بصريحه فَوَجَبَ أَن يخص بِهِ كاللفظ الْخَاص وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن الْعلَّة معنى النُّطْق فَإِذا كَانَ النُّطْق الْخَاص يخص بِهِ الْعُمُوم فَكَذَلِك مَعْنَاهُ؛ وَلِأَن مَا ذَكرْنَاهُ جمعا بَين دَلِيلين فَكَانَ أولى من إِسْقَاط أَحدهمَا كاللفظ الْخَاص مَعَ النُّطْق الْعَام؛ وَلِأَن الْقيَاس الْخَفي دَلِيل فَكَانَ حكمه حكم الْجَلِيّ من جنسه فِي تَخْصِيص الْعُمُوم كَخَبَر الْوَاحِد لما كَانَ دَلِيلا كَانَ حكمه حكم الْجَلِيّ من جنسه وَهُوَ الْمُتَوَاتر.
وَالدَّلِيل على أَصْحَاب أبي حنيفَة هُوَ أَن مَا جَازَ أَن يُرَاد بِهِ فِي التَّخْصِيص جَازَ أَن يبتدأ بِهِ التَّخْصِيص كالنطق؛ وَلِأَن التَّخْصِيص إِنَّمَا جَازَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الحكم بِخُصُوصِهِ فَقدم على الْعَام وَهَذَا مَوْجُود فِي الِابْتِدَاء فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ فَإِن «لم تَجِد فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أجتهد رَأْيِي وَلا آلو» فَدلَّ على أَن الْقيَاس لَا يعْمل بِهِ مَعَ السّنة.
قُلْنَا الْقدر الَّذِي يُخرجهُ الْقيَاس من الْعُمُوم لَيْسَ من السّنة عندنَا وَلِأَنَّهُ كَمَا رتب الْقيَاس على السّنة فقد رتب السّنة على الْكتاب ثمَّ لَا خلاف أَن تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ جَائِز فَكَذَلِك تَخْصِيص السّنة بِالْقِيَاسِ.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِسْقَاط لما تنَاوله الْعُمُوم فَلَا يجوز بِالْقِيَاسِ كالنسخ وَرُبمَا قَالُوا تَخْصِيص الْأَعْيَان أحد نَوْعي تَخْصِيص الْعُمُوم فَلَا يجوز بِالْقِيَاسِ كتخصيص الزَّمَان.
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن لَا يجوز بِهِ النّسخ وَيجوز بِهِ التَّخْصِيص أَلا ترى أَن نسخ الْقُرْآن لَا يجوز بِخَبَر الْوَاحِد وتخصيصه جَائِز وَلِأَن النّسخ إِسْقَاط مُوجب اللَّفْظ والتخصيص جمع بَينه وَبَين غَيره فَافْتَرقَا.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم بِالْقِيَاسِ فَلم يجز كَمَا لَو كَانَ الْقيَاس بعلة مستنبطة من الْعُمُوم.
قُلْنَا هَذَا يبطل بالتخصيص بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ ثمَّ لَا يمْتَنع أَن لَا يجوز بِمَا انتزع مِنْهُ وَيجوز بِمَا انتزع من غَيره كَمَا لَا يجوز التَّخْصِيص بِنَفسِهِ وَيجوز التَّخْصِيص بِغَيْرِهِ من الْأَلْفَاظ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَطْلُوب هُنَاكَ عِلّة الحكم الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعُمُوم فَإِن اقْتَضَت الْعلَّة التَّخْصِيص لم يكن ذَلِك عِلّة الحكم لِأَنَّهُ مسْقط لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا لِأَن الْمَطْلُوب عِلّة حكم مُخَالف لَهُ فَجَاز أَن يخص بِهِ.
قَالُوا وَلِأَن الْقيَاس فرع النُّطْق فَلَا يجوز أَن يسْقط الْفَرْع أَصله.
قُلْنَا نَحن إِنَّمَا نخص بِهِ عُمُوما لَيْسَ بِأَصْلِهِ فَلَا يكون ذَلِك إِسْقَاط أصل بفرع.
قَالُوا وَلِأَن مَا قدم عَلَيْهِ الْقيَاس الْجَلِيّ فِي الحكم لَا يخص بِهِ الْعُمُوم كاستصحاب الْحَال.
قُلْنَا اسْتِصْحَاب الْحَال لَيْسَ بِدَلِيل وَإِنَّمَا هُوَ بَقَاء على حكم الأَصْل إِلَى أَن يرد الدَّلِيل عَلَيْهِ فَلَا يتْرك لَهُ مَا هُوَ دَلِيل وَلَيْسَ كَذَلِك الْقيَاس فَإِنَّهُ دَلِيل من جِهَة الشَّرْع يَسْتَدْعِي الحكم بصريحه فَقدم على مَا يَقْتَضِي الحكم بِعُمُومِهِ كَخَبَر الْوَاحِد.
قَالُوا وَلِأَن قِيَاس الشّبَه مُخْتَلف فِيهِ بَين الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ فَلَا يخص بِهِ الْعُمُوم كالخبر الْمُرْسل لما كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ بَين الْقَائِلين بِخَبَر الْوَاحِد لم يخص بِهِ الْعُمُوم.
قُلْنَا نَحن إِنَّمَا نتكلم مَعَ من قَالَ بِقِيَاس الشّبَه وَمن قَالَ بِهِ وَجعله دَلِيلا لزمَه التَّخْصِيص بِهِ وَإِن كَانَ فِي النَّاس من لَا يَقُول بِهِ أَلا ترى أَن الْقيَاس الْجَلِيّ لما كَانَ حجَّة عِنْد الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ وَجب تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ وَيُخَالف الْخَبَر الْمُرْسل فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِحجَّة عندنَا فَلَا يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ وَقِيَاس الشّبَه حجَّة على المذهبين فَجَاز تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ كالقياس الْجَلِيّ.
قَالُوا وَلِأَن الْقيَاس يَقْتَضِي الظَّن وَعُمُوم الْكتاب يُوجب الْعلم فَلَا يجوز أَن يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ.
قُلْنَا يبطل بِالْقِيَاسِ إِذا ورد على بَرَاءَة الذِّمَّة بِالْعقلِ فَإِنَّهُ يُوجب الظَّن ثمَّ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مَا يُوجِبهُ الْعقل من بَرَاءَة الذِّمَّة مَقْطُوع بِهِ.
فَإِن قيل: الْعقل يَقْتَضِي بَرَاءَة الذِّمَّة بِشَرْط وَهُوَ أَن لَا يرد سمع والعموم يَقْتَضِي الحكم على إِطْلَاقه.
قيل وَكَذَا اللَّفْظ الْعَام يَقْتَضِي الْعُمُوم مَا لم يرد مَا هُوَ أقوى مِنْهُ وَالْقِيَاس الْخَاص أقوى مِنْهُ فِي تنَاول الحكم فَقضى بِهِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَن الْقيَاس وَإِن كَانَ طَرِيقه الظَّن وَالِاجْتِهَاد إِلَّا أَن الدَّلِيل على وجوب الْعَمَل.
بِهِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ فقد صَار كالعموم فِي هَذَا الْبَاب وَزَاد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يكْشف عَن المُرَاد بِالْعُمُومِ ويتناول الحكم بِخُصُوصِهِ فَكَانَ أولى مِنْهُ.
وَاحْتج أَصْحَاب أبي حنيفَة بِأَنَّهُ إِسْقَاط دلَالَة اللَّفْظ فَلم يجز بِالْقِيَاسِ كالنسخ وَلَا تلْزم الزِّيَادَة بالتخصيص لِأَنَّهَا لَيست بِإِسْقَاط لدلَالَة اللَّفْظ لِأَن الدّلَالَة قد سَقَطت بِغَيْرِهِ.
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن لَا يجوز النّسخ وَيجوز التَّخْصِيص أَلا ترى أَن نسخ الْكتاب لَا يجوز بِخَبَر الْوَاحِد وَيجوز التَّخْصِيص بِهِ وَلِأَن النّسخ إِسْقَاط اللَّفْظ وَهَذَا جمع بَينه وَبَين غَيره فَافْتَرقَا.

.مَسْأَلَة: (11) يجوز تَخْصِيص الْخَبَر كَمَا يجوز تَخْصِيص الْأَمر وَالنَّهْي:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: تَخْصِيص الْخَبَر لَا يجوز.
لنا هُوَ أَنه يجوز أَن يكون المُرَاد بعض مَا تنَاوله الْعُمُوم كَمَا يجوز ذَلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي فَإِذا جَازَ التَّخْصِيص هُنَاكَ جَازَ هَهُنَا.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أحد نَوْعي التَّخْصِيص فَلم يجز فِي الْخَبَر كالنسخ.
قُلْنَا النّسخ يسْقط جَمِيع مُقْتَضى اللَّفْظ فَلَو دخل فِي الْخَبَر صَار كذبا والتخصيص لَا يسْقط جَمِيع مَا اقْتَضَاهُ وَإِنَّمَا يبين مَا يُرَاد بِهِ فَافْتَرقَا.

.مَسْأَلَة: (12) إِذا ورد الْعَام على سَبَب خَاص وَاللَّفْظ مُسْتَقل بِنَفسِهِ حمل على عُمُومه وَلم يقْتَصر على سَببه:

وَقَالَ مَالك يقْتَصر على السَّبَب وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ وَأبي ثَوْر وَأبي بكر الْقفال والدقاق.
لنا هُوَ أَن الدَّلِيل قَول صَاحب الشَّرِيعَة فَاعْتبر عُمُومه كَمَا لَو تجرد عَن السَّبَب؛ وَلِأَن كل لفظ لَو تجرد عَن سُؤال خَاص حمل على عُمُومه فَكَذَلِك إِذا تقدمه سُؤال خَاص.
الدَّلِيل عَلَيْهِ إِذا قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا طَلقنِي فَقَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن الحكم يتَعَلَّق بِجَوَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أَن الطَّلَاق يتَعَلَّق بقول الزَّوْج ثمَّ الِاعْتِبَار بِعُمُوم كَلَام الزَّوْج دون خُصُوص السُّؤَال فَكَذَلِك يجب أَن يكون الِاعْتِبَار بِعُمُوم كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بِخُصُوص السُّؤَال؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ السُّؤَال عَاما وَالْجَوَاب: خَاصّا اعْتبر خُصُوص الْجَواب دون عُمُوم السُّؤَال فَكَذَلِك إِذا كَانَ السُّؤَال خَاصّا وَالْجَوَاب: عَاما وَجب أَن يعْتَبر عُمُوم الْجَواب؛ وَلِأَنَّهُ لَو وَقع السُّؤَال عَن جَوَاز شَيْء فَخرج الْجَواب بإيجابه اعْتبر الْجَواب فَكَذَلِك إِذا كَانَ السُّؤَال خَاصّا وَالْجَوَاب: عَاما وَجب أَن يعْتَبر عُمُوم الْجَواب؛ وَلِأَن قَول السَّائِل لَيْسَ بِحجَّة فَلَا يجوز أَن يخص بِهِ عُمُوم السّنة كَقَوْل غَيره؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ الِاعْتِبَار بِخُصُوص السُّؤَال لوَجَبَ أَن يخْتَص السَّائِل بِالْجَوَابِ حَتَّى لَا يدْخل غَيره فِيهِ وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على عُمُوم آيَة الْقَذْف وَإِن كَانَت نزلت فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا خَاصَّة وَعُمُوم آيَة اللّعان وَإِن كَانَت نزلت فِي شان هِلَال بن أُميَّة وَامْرَأَته وَعُمُوم آيَة الظِّهَار وَإِن كَانَت نزلت فِي شَأْن رجل بِعَيْنِه فَدلَّ على أَنه لَا اعْتِبَار بِالسَّبَبِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن السُّؤَال مَعَ الْجَواب كالجملة الْوَاحِدَة بِدَلِيل أَن السُّؤَال هُوَ الْمُقْتَضِي للجواب وبدليل أَن الْجَواب إِذا كَانَ مُبْهما أُحِيل فِي بَيَانه على السُّؤَال فَإِذا ثَبت أَنَّهُمَا كالجملة الْوَاحِدَة وَجب أَن يصير السُّؤَال مُقَدرا فِي الْجَواب فيخص الحكم.
قُلْنَا لَا نسلم أَنَّهُمَا كالجملة الْوَاحِدَة بل هما جملتان متفرقتان واستدلالهم عَلَيْهِ بِأَن الْجَواب مُقْتَضى السُّؤَال لَا يسلم فَكيف يكون الْجَواب مُقْتَضى السُّؤَال وَهُوَ أَعم مِنْهُ.
وَإِن سلمنَا لَهُم فَالْجَوَاب عَنهُ وَإِن كَانَ مُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون زَائِدا عَلَيْهِ فيجيب بِمَا هُوَ أَعم مِنْهُ وَرُبمَا اشْتَمَل الْجَواب عَمَّا لم يَقع السُّؤَال عَنهُ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا على غنمي ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} فَأجَاب عَمَّا سُئِلَ وَزَاد كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام وَقد سُئِلَ عَن مَاء فَقَالَ «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته».
وَقَوْلهمْ إِنَّه يجوز أَن يكون الْجَواب محالا على السَّبَب فِي الْبَيَان يبطل بِالْكتاب مَعَ السّنة فَإِنَّهُ يجوز أَن يُحَال بِأَحَدِهِمَا على الآخر فِي الْبَيَان ثمَّ هما جملتان مُخْتَلِفَتَانِ وعَلى أَن خلافنا فِي جَوَاب مُسْتَقل بِنَفسِهِ غير مفتقر إِلَى السُّؤَال فِي الْبَيَان فَلَا يجوز أَن يَجْعَل ذَلِك مَعَ السُّؤَال جملَة وَاحِدَة ثمَّ هَذَا يبطل بِمَا ذَكرْنَاهُ من مَسْأَلَة الطَّلَاق فَإِن السُّؤَال هُوَ الْمُقْتَضِي للطَّلَاق وَيجوز أَن يكون الْجَواب محالا على السُّؤَال فِي الْبَيَان ثمَّ لَا يَجْعَل السُّؤَال مَعَ الْجَواب كالجملة الْوَاحِدَة.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ جَوَاب خرج على سُؤال خَاص فَكَانَ مَقْصُورا عَلَيْهِ كَمَا لَو لم يسْتَقلّ إِلَّا بِالسَّبَبِ.
قُلْنَا الْمَعْنى هُنَاكَ أَن اللَّفْظ لم يتَنَاوَل غير مَا وَقع عَنهُ السُّؤَال وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِن اللَّفْظ عَام مِمَّا وَقع عَنهُ السُّؤَال وَغَيره فَحمل على عُمُومه.
قَالُوا وَلما ورد الْخطاب فِيهِ على السَّبَب دلّ على انه بَيَان لحكمه خَاصّا إِذْ لَو كَانَ بَيَانا لغيره لبينه قبل السُّؤَال.
قُلْنَا يجوز أَن يرد السُّؤَال عَلَيْهِ وَيبين حكمه وَحكم غَيره كَمَا سُئِلَ عَن مَاء الْبَحْر خَاصَّة فَبين حكمه وَحكم ميتَته ثمَّ هَذَا يُعَارضهُ أَنه لَو كَانَ بَيَانا لحكم السَّبَب خَاصَّة لخصه بِالْجَوَابِ وَلما أطلق وَعم دلّ على أَنه قصد بَيَانه وَبَيَان غَيره.
قَالُوا السَّبَب هُوَ الَّذِي أثار الحكم فيعلق بِهِ كالعلة.
قُلْنَا الْعلَّة مقتضية للْحكم فوزانها من السَّبَب أَن يكون مقتضيا للْحكم فَيتَعَلَّق بِهِ الحكم وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا لِأَن السَّبَب غير مُقْتَض لَهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون مقتضيا لَهُ وَهُوَ أَعم مِنْهُ فَلم يجز تَعْلِيقه عَلَيْهِ.

.مَسْأَلَة: (13) تَخْصِيص الْعُمُوم بقول الرَّاوِي ومذهبه لَا يجوز وَلَا يجوز أَيْضا ترك شَيْء من الظَّوَاهِر بقوله:

وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: يجوز.
لنا هُوَ أَن الرَّاوِي محجوج بالْخبر فَلَا يجوز التَّخْصِيص بقوله كَغَيْرِهِ؛ وَلِأَن تَخْصِيصه الْخَبَر يجوز أَن يكون بِخَبَر آخر وَيحْتَمل أَن يكون بِضَرْب من الرَّأْي اعْتقد صِحَّته وَهُوَ فَاسد فَلَا يجوز ترك الظَّاهِر بِالشَّكِّ؛ وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يصير قَول الرَّاوِي حجَّة وَيخرج قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون حجَّة وَذَلِكَ محَال.
وَاحْتَجُّوا بِأَن الظَّاهِر أَن الرَّاوِي لَا يتْرك مَا رَوَاهُ إِلَّا وَقد عرف من جِهَة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام مَا يُوجب التَّخْصِيص.
قُلْنَا الظَّاهِر أَنه لم يخصصه من جِهَة النَّقْل وَالرِّوَايَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَعَه نقل لذكره فِي وَقت من الْأَوْقَات وعَلى أَنه يحْتَمل مَا ذَكرُوهُ وَيحْتَمل أَن يكون قد ذهب إِلَى رَأْي بَاطِل واستدلال فَاسد فَلَا يجوز ترك الظَّاهِر.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خصّه بِخَبَر أَو قِيَاس وبأيهما كَانَ وَجب الْمصير إِلَيْهِ.
قُلْنَا إِنَّمَا يجب ذَلِك إِذا عرفنَا الْمُخَصّص فَأَما إِذا لم نعلمهُ لم يجز لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون قد خصّه بِقِيَاس فَاسد وَطَرِيق بَاطِل فَلَا يجوز ترك الْخَبَر.
قَالُوا إِذا قبلتم قَوْله أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو نَهَانَا وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ وَجب أَن تقبلُوا قَوْله فِيمَا يُوجب التَّخْصِيص.
قُلْنَا هَذِه الْأَلْفَاظ رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنقل عَنهُ فوزانه من مَسْأَلَتنَا أَن ينْقل إِلَيْنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُوجب تَخْصِيصه فافترقنا.

.مَسْأَلَة: (14) إِذا تعَارض لفظان خَاص وعام بنى الْعَام على الْخَاص:

وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين: لَا يقْضى على الْعَام بالخاص بل يتعارض الْخَاص وَمَا قابله من الْعَام وَهُوَ اخْتِيَار أبي بكر الْأَشْعَرِيّ وَأبي بكر الدقاق.
لنا هُوَ أَنه دَلِيل عَام قابله دَلِيل خَاص وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصه إبِطَال لَهُ فَوَجَبَ تَخْصِيصه بِهِ كَخَبَر الْوَاحِد إِذا ورد مُخَالفا لدَلِيل الْعقل فَإِنَّهُ يخص بِدَلِيل الْعقل؛ وَلِأَن الْخَاص أقوى من الْعَام لِأَن الْخَاص يتَنَاوَل الحكم بِخُصُوصِهِ على وَجه لَا احْتِمَال فِيهِ وَالْعَام يتَنَاوَل الحكم على وَجه مُحْتَمل لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله الْخَاص بِخُصُوصِهِ فَوَجَبَ أَن يقدم الْخَاص عَلَيْهِ؛ وَلِأَن الْأَدِلَّة إِنَّمَا وَردت للاستعمال فَكَانَ الْجمع بَينهمَا أولى من إِسْقَاط بَعْضهَا والتوقف فِيهَا؛ وَلِأَن مَا تفرق من أَلْفَاظ صَاحب الشَّرْع بِمَنْزِلَة الْمَجْمُوع موضعا وَاحِدًا وَلَو جمع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَين اللَّفْظَيْنِ لجمع بَينهمَا ورتب أَحدهمَا على الآخر فَكَذَلِك إِذا تفرق.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَيْسَ الْخَاص فِيمَا تنَاوله بِأولى مِمَّا عَارضه من الْعَام فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ.
قُلْنَا قد بَينا بِأَن الْخَاص فِيمَا تنَاوله أولى من الْعَام لِأَن الْخَاص يَقْتَضِي الحكم بصريحه على وَجه لَا احْتِمَال فِيهِ وَالْعَام يتَنَاوَلهُ بِظَاهِرِهِ وعمومه على وَجه يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ غير ظَاهره فَوَجَبَ تَقْدِيم الْأَقْوَى مِنْهُمَا كَمَا قدمنَا دَلِيل الْعقل على عُمُوم خبر الْوَاحِد؛ وَلِأَن فِيمَا قُلْنَاهُ اسْتِعْمَال دَلِيلين وَفِيمَا قُلْتُمْ إِسْقَاط أَحدهمَا فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أولى.